مع إنطلاق فعاليات المؤتمر السادس لحركة فتح أخذت أرقب القيادي الشاب محمد دحلان، الشخصية الأكثر جدلاً في المجتمع الفلسطيني، ولا أخفي الدهشة التي إنتابتني من مقدرته على الحركة والوقوف على قدميه بعد أن إستل القريب قبل البعيد سيوفه ليغرسها في ظهره، لم يمنحوه فرصة إلتقاط أنفاسه ومداواة جراحه، إحتمل ما تنوء عن حمله الجبال، وإبتعد المتسلقين عنه ظناً منهم أنه خرج من الحلبة السياسية، ترك وحيداً يصارع أمواج الحقد العاتية دون ظهير أو نصير، بل ذهب البعض لتقسيم تركته السياسية بنفس الآلية التي حاولوا أن يرثوا بها ياسر عرفات إبان حصاره في المقاطعة، تناغموا على مدار أشهر بل سنوات مع ما تقوله حماس من تشهير وإفتراء، إعتقدوا أن المؤتمر السادس محطته الأخيرة على المسرح الفلسطيني، وأعدوا لذلك العدة بدءاً من تعويم المؤتمر مروراً بالتلميح والبوح بالتصريح داخل أروقة المؤتمر وإنتهاءاً بمحاصرة أصوات غزة وتضييق الخناق عليها، كان من الواضح أن البعض يعمل لإسقاطه والتحالفات بنيت على ذلك، وإنتظر الجميع أن يتحدث دحلان ولعل تأخره في مواجهة أعضاء المؤتمر أوحى للبعض بعدم مقدرته على هذه المواجهة، إلى أن جاء الوقت الذي إمتطى فيه صهوة الخطابة، كانت القاعة تغص بالحاضرين وتملك السكون المكان وتحولت القاعة بقاطنيها إلى آذان صاغية، البعض من المؤتمرين يبحث في كلمته عن إنتصار لذاته فيما البعض الآخر يمني النفس بهفوة الخطيب وفشل المرافعة بفعل تراكم الأحداث وحدة التشويه التي طالته، من البديهي أن تخرج كلمته عن السياق الطبيعي للمداخلة، وأول ما تتطلبه أن تنعتق من قيود الوقت وهذا ما ذهب إليه حين أكد لرئاسة المؤتمر بأنه لن يلتزم بالوقت المخصص للمداخلات، فقد جاء ليروي حكاية غزة وليس مداخلة حول موضوع عابر يمكن للعديد أن يدلوا بدلوهم فيها، وفاجأ الجميع حين بدأ حكايتها من البدايات التي تغيب عن الكثير من الحضور، البداية التي ذهب ضحيتها القيادي أسعد الصفطاوي، يومها وحتى يومنا هذا أشار الكثير بإصبع الإتهام إليه، فأزاح الستار عن ملابسات الجريمة والمتورطين فيها ممن ليس لهم علاقة بفتح وبنيانها، وكيف عمل البعض على تسريح القتلة فكانت بداية الآفة التي أنهكت قوى الحركة، وإنتقل بالحديث إلى سلسلة الأحداث التي تلت ذلك وجميعها سارت في الإتجاه ذاته، المثير للإنتباه ذلك الصمت بل الخشوع الذي سيطر على القاعة أثناء حديثه، وكأن الحضور يتنقل معه من فصل إلى آخر بحثاً عن الحقيقة التي حاول الكثير إخفائها، قوطع أكثر من مرة من قبل الحضور للإفصاح عن الأمور بمسمياتها، لكنه نأى بنفسه بعيداً عن ذلك لأن الموضوع لا يتعلق بأشخاص بل بحكاية غزة التي سقطت قبل أن تسقط بكثير، والهدف من الحديث لا يتعلق بخلاف شخصي بل بمرحلة تاريخية يجب معرفتها والإستفادة منها بكل ما حملته من جراح دامية، ما أن إنتهى من كلمته الوافية والكافية للمكان والزمان، حتى حاول البعض الإنتقاص من أهمية ما جاء بها عبر ترديد خديعة وقع فيها الحضور، بإدعاء أنهم جاؤوا للإستماع لكلمة الرئيس، حتى وإن صدق هؤلاء فكيف يمكن لهم أن يفسروا حقيقة إلتزام الجميع بمقاعدهم طيلة الكلمة والسكون الذي لف القاعة وتفاعل الحضور معها؟، من الواضح لكل من راقب الكلمة أنها أعادت الأمور إلى نصابها الحقيقي ولعل هذا ما أكده العجز عن الرد، وخرجت من القاعة كحال العديد الذين إكتشفوا حقيقة لا مفر منها بأن ما كيل إليه من إتهامات هو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف.
واصلت مراقبتي له بعد أن أنهى خطابه الذي بات حديث الجميع دون إستثناء، حيث إنتقل من القاعة إلى الباحة ليحيط به جمع كبير من أعضاء المؤتمر، ليقترب منه أحدهم ويختصر الحكاية بكلمات لا تجملها المصالح والرغبات قائلاً له' كنت من الكارهين لك الذين أعماهم الإعلام المغرض حتى إستمعت منك لحكاية غزة فإنسلت منها الحقيقة وسط التضليل الذي رعاه الكثيرون على مدار السنوات السابقة، لذا سأمنح صوتي إليك وتقبل إعتذاري على ما سلف' أدركت حينها بأن الشاب القادم إلينا من غزة الجريحة يملك ما لا يملكه الغير وأن القيادة عندة إحتراف وليست هواية.